الكاتب : رعد التميمي
يُعدّ “التحرش الجنسي” أحد المحرّمات التي لا يجب التحدث عنها فقط بل معالجتها و استئصالها من جسد المجتمع ككل، و عدم تجاهله أو التظاهر بعدم وجوده، والأهم من هذا أن التحرّش الجنسي ليس أمرًا غير مألوف أو أنه يحصل بعيدًا عنا، فنحن جميعًا نراه يحدث يوميا في شوارعنا و تتعرض له بناتنا ،و للتحرش وجوه كثيرة قد يكون صيغة من الكلمات غير المرحب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك …و ما الى ذلك من أساليب رديئة …
يرى خبراء في علم النفس أن انتشار التحرش في الدول العربية بصفة عامة مردّه غرس مشاعر الغطرسة والتعجرف في نفوس الذكور منذ الصغر وإشعارهم بأنهم أكثر قوة وحظوة من الفتيات، وأن الجنس الناعم مجبر على تقديم ولاءات الطاعة والامتثال لهم ….
كما أشاروا من خلال دراساتهم إلى أن كلفة عدم الاختلاط بدورها جاءت بنتيجة عكسية باعتبارها تغرس في نفوس الذكور الفضول وتجعل تصرفاتهم في كثير من الأحيان مطبوعة بالخشونة والغلظة في التعامل مع الجنس الناعم وهو ما يدفعهم إلى الإقدام على التحرش.
ووضح علم الاجتماع من خلال البحث و الدراسة، أن شعور الشباب بالغبن والقهر وبغموض المستقبل وضبابيته من جراء البطالة والعوز يدفعهم إلى التصرف بعدائية واستهتار ويرمي بهم في متاهة الإدمان والتطرف والاندفاع إلى عالم الجريمة والتعدّي على الآخرين بما في ذلك التحرش اللفظي والجسدي بالنساء
و بالرغم من اقرار نظام الحماية في الكثير من الدول العربية و من بينها العراق ، مازال عدم توفر الحماية من الإيذاء على اختلاف أنواعه قائما ، و الذي يهدف من خلال بنوده الى الرفع من مستوى الوعي الاجتماعي بقضايا التحرش ضدّ المرأة وغيرها من القضايا تهدد هذه النساء العاملات ، لما لها من تأثيرات مهنية بفقدان الوظيفة أو الترقية، وانخفاض في الأداء الأكاديمي أو العملي بسبب ردود الفعل النفسية التي قد تتعرض لها المرأة، وقد تنسحب من عملها، وتقع فريسة مرض الاكتئاب الذي يؤثر على ممارسة حياتها بشكل طبيعي….
ويرى رجل الدين حسن الياسري : أن الفتاة تثير الرجل جنسياً بملابسها الجريئة وتبرّجها الحاد، و بذلك تساهم في دفع الرجل إلى التحرّش بها”، مشيراً إلى أن المرأة المتبرّجة تثير انتباه الرجل بشكل عام وداعياً إلى “تعزيز القيم الدينيّة درءاً للمفاسد
لكن ثمّة رأي معارض تطرحه الباحثة الاجتماعيّة فاطمة حسين من بغداد. وهو أن “كلاً من السافرات والمحجّبات يتعرّضن إلى التحرّش الجنسي على حدّ سواء، ليولّد ذلك لديهنّ شعوراً بالإحباط والدونيّة لا سيّما حين يسمعن عبارات مبطّنة بتلميحات جنسيّة”.
وتتابع “المرأة العراقيّة لا تتقبّل في الظاهر حتى كلمات الإطراء من قبيل “أنت جميلة”، على الرغم من أنها قد تفرح في سرّها، فالقيم المحافظة لا تتيح لها حتى الردّ على كلمات الإطراء”.
آراء و مواقف.. تواجه فحولة التحرش
و تضيف إيمان كامل وهي مدرّسة رياضة التبليغ عن “المعاكسات” التي تتعرّض لها في بعض الأحيان من زملاء العمل، شأنها في ذلك شأن عدد كبير من زميلاتها حفاظاً على السمعة، لأسباب اجتماعيّة وأخلاقيّة ولتجنّب “الحساسيات” في بيئة العمل.
وتعترف إيمان بأن “الطامة الكبرى حين يكون مصدر التحرّش الجنسي أحد الطلاب. وقد تقدّمت مدرسات كثيرات بالشكوى من هذه الظاهرة التي تحول دون علاقة صحيّة إيجابية بين المدرّسة وطلابها”.
من جهتها، ترى الناشطة النسويّة سهام حسن : أن “السكوت على الظاهرة يسهم في استفحالها، إذ يُفسَّر صمت المرأة على أنه ضعف وفي الوقت ذاته يجد المتحرّش نفسه في حالة شعور بالزهو عندما لا يجد أحداً يردعه عن ذلك”.
وبحكم تجربتها العمليّة في الوسط النسوي وفي ظلّ عدم توفّر إحصائية دقيقة عن حجم التحرش الجنسي في العراق، تخمّن سهام أن “نحو أربع نساء من بين عشرة ممن يعملن في بيئة خارج البيت، يتعرّضن إلى التحرّش الجنسي. وتزداد الظاهرة في بيئة العمل حيث يسجّل اختلاط بين الجنسَين”.
وتوضح سهام أن “الظاهرة تتزايد بشكل واسع في الأماكن العامة مثل الحدائق والمتنزهات وفي المعامل والمصانع ، بحيث يبدو التحرّش الجنسي بالعاملات ظاهرة مرتفعة جداً في مستويات حدّها اليومي”. أما كوثر النعيمي وهي صاحبة صالون تجميل ، فتروي حقيقة التحرّش بحسب ما تنقله الزبائن اللواتي تختلف مستوياتهن الثقافيّة، عبر حكاياتهن. وتلاحظ النعيمي أن “الظاهرة تُتداول أكثر بين من هنّ غير متعلمات أو اللاتي نلن مستويات دنيا من التعليم”، وتدعو النعيمي إلى “موقف صارم من قبل المرأة تجاه المتحرّش، وأن لا تسمح لنفسها بأن تكون ضحيّة الغرائز الجنسيّة الذكوريّة”.
لكن أسيل حسن وهي طالبة جامعية، تذهب إلى اتجاه آخر وتقول : إن التحرّش الجنسي يتكرّس بكثرة في الأوساط الجامعيّة، و بالنسبة إليها الأمر ليس مقتصراً على ذوات المستويات الأدنى في التعليم، وتعترف قائلة “شخصياً، تعرّضت إلى أكثر من موقف كنت فيه ضحيّة للتحرّش الجنسي اللفظي، عبر توجيه كلمات خادشة للحياء إليّ”،و تضيف قائلة : “في أغلب الأحيان يسعى الشاب بعيون زائغة وكلمات إيحائية تشيد بجمال المرأة بأوصاف جنسيّة تتعلّق بتفاصيل جسدها وتعبّر عن إعجابه بها، إلى كسب رضاها ومواعدتها”.
المرأة لقمة سائغة.. بسبب النظرة الدونية و التقاليد البالية !!
اما الاعلامي الاستاذ احمد محمود التميمي فقد عزى الظاهرة الى الظروف الغير اعتيادية التي عاصرها المجتمع العراقي موضحا : اظن ان مرد ذلك الى جملة من الامور التي نجمت عن مرور العراق بظروف استثنائية جعلت من مواطنيه لقمة سائغة لكثير من العادات الدخيلة والغريبة على المجتمع ومنها التحرش الفاضح ثم ركون الناس الى عدم التدخل ظناً ان ذلك ينجيهم من ذلك الفعل المشين، لذلك علينا ان نعمل في عدة اتجاهات لتحقيق تحجيم و استنكار مجتمعي لتلك الظواهر السلبية ومن بين تلك الاتجاهات الاهتمام بتربية النشىء الجديد وتفعيل دور الوازع الديني لدى الناس فضلاً عن ايجاد وسائل ردع لمن تسول له نفسه الاساءة للاخرين بذريعة الحرية وغيرها من الحجج الواهية…